الزهراء في ظلال القرآن الكريم
حين تشكل سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) المدرسة الإسلامية الكبرى في حياة الرّسالة والأُمّة بصفتها غرس النبوة الوحيدة الذي تولّى إنجاب خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله) الشرعيين المتمثّلين بأئمة أهل البيت (عليهم السلام). وحين تكون الزّهراء (عليها السلام) النافذة الوحيدة التي يطلُّ منها القادة الحقيقيون على الإنسانية، فلابد للإسلام أن يولي مدرسته ـ هذه ـ كثيراً من الاهتمام والعناية ليجعل أُمته أكثر قدرة على سلوك السبيل الأرحب المتمثل بإتباع أهل بيت الرسالة (عليهم السلام).
والقرآن الكريم ـ وهو دستور الأُمّة الخالد ـ قد أولى فاطمة الزّهراء (عليها السلام) عنايته وأبرز قيمتها ومعالم شخصيّتها في كثير من آياته. وإذا شاء الباحثون أن يستوعبوا هذه الآيات دراسة واستقراءً لاضطروا إلى تأليف كتابٍ ضخم لتحقيق هذا الهدف، ولذا فإنّنا حين نتعرّض للحديث عن مقام الزهراء (عليها السلام) في نظر القرآن، فلابد لنا أن نلتزم جانباً من الإيجاز ما دام الأمر يحاج إلى كثير جهد وبذل وقت طويل. ولنكتف بسرد الآيات الآتية:
1ـ « إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(سورة الأحزاب آية 33).
اجمع المؤرّخون وأهل التفسير ـ من الصّحابة والتابعين ـ على أن هذه الآية نزلت في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)(1)، فقد ورد عن أُمّ سلمة (رض): أنها قالت: إنّ هذه الآية نزلت في بيتي، إذ أن النبيّ (صلى الله عليه وآله) دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجلّلهم بعباءةٍ خيبرية، ثم قال: « الّلهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً »، فنزل قوله تعالى: « إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ».
وقد هزّ أُمّ سلمة الشوق على أن تكون معهم، فقالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) « هل أنا من أهل بيتك ؟». قال: « لا ولكنّك على خير ».
وحين يلقي المتتبع نظرة فاحصة على هذا الحديث الذي ترويه أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة، وحين يطّلع على مكانة أُمّ سلمة ـ نفسها ـ في الإسلام ومكانتها الرفيعة عند الرسول (صلى الله عليه وآله) يتّضح له السّر الذي دفع الرّسول (صلى الله عليه وآله) إلى عدم حشرها في أهل بيته (عليهم السلام).
فأمُّ سلمة هي التي يكلّفها الرسول (صلى الله عليه وآله) بأُمور خاصّة دون غيرها من نسائه لتتولاها، فهو يكلّفها بتربية فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاة أُمّها، وهي التي تتولى مهمّة زفافها ورعايتها، كما أنّ كثيراً من الحوادث التي عاشها بيت الرّسالة ـ أفراحاً كانت أم أتراحاً ـ كان لأُمّ سلمة حظٌ وافر فيها. والتأريخ يمتلئ بشواهد جمّة، كلُّها تسبغ على هذه ألامرأة الجليلة إطاراً من القدسية والقدم في الإسلام والإخلاص للرسول (صلى الله عليه وآله). ولكنّ هذه المكانة الرّفيعة التي تتمتّع بها أُمّ المؤمنين أم سلمة لم ترفعها إلى الدّرجة التي وصلها أهل البيت (عليهم السلام) لأنّ أهل البيت لهم درجتهم الخاصّة ونصيبهم الخاص من الكرامة الإلهية مما جعل القرآن الكريم يفرد لهم صفة إذهاب الرّجس عنهم، فهم بعيدون عن كلّ خلق ونشاط وتحرُك وسكون لا يمتُ إلى رسالة السّماء بصلة، فقد انطبع فكرهم وادراكاتهم وكافّة ألوان نشاطاتهم وعواطفهم بلون الرّسالة الإلهية المقدّسة، حتى عادوا إسلاماً يسير على الأرض. ولهذا أعطى الرّسول (صلى الله عليه وآله) أُمّ سلمة مقامها الذي يختلف في علوّ منزلته عن مقام أهل البيت (عليهم السلام)، فهي على خير، ولكنّها لا تبلغ ذلك المقام السّامي، مع أنّها مّمن أنعم الله عليها بدرجة عالية من الإيمان ولم يعرف عنها: أنّها خالفت الرسول (صلى الله عليه وآله) في حياته، أو مماته، أو خالفت معالم التشريع في جانب من سلوكها.
والرواية ـ على هذا الأساس ـ تتحفنا نتيجة منطقية: أنّ آية التطهير ما نزلت إلاّ في الزهراء وأهل بيتها، وليس لأزواج الرسول (صلى الله عليه وآله) نصيب فيها ـ كما يدّعي البعض ـ لأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) رفض حشر أكثر أزواجه تقى، وأعلاهنّ مقاماً في الإسلام في أهل بيته، والانخراط في سلكهم: فكيف تكون الآية قد خصّت الأُخريات من نسائه؟.
وهكذا ترسم لنا الآية الكريمة أنّها تعيش في إطار بيت الزهراء (عليها السلام) دون أن تخرج إلى مدار أوسع، وفقاً لما قرّره الرسول (صلى الله عليه وآله) في محاورته لأُمّ سلمة، وإجابته على طلبها بالنفي مع كونها على خير.
2 ـ « فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبته فنجعل لعنة الله على الكاذبين »(سورة آل عمران آية 61).
وهذه الآية المباركة نزلت في واقعة تاريخية حسّاسة جرت بين معسكر الإيمان الفتيّ في يثرب، ومعسكر الضّالين عن درب الهداية المتمثّل بنصارى نجران وغيرهم.
والتاريخ الإسلامي يعرض في هذه الواقعة كيف تنهزم قوى الضّلال أمام قوى الإيمان المسدّدة من الله جبّار السماوات والأرض.
وتتلخّص الحادثة في: أنّ وفداً من نصارى نجران قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان فيهم السيد والعاقب والقس والحارث، وأسقفهم عبد المسيح بن يونان، وقد جرت بين ممثّلي المعسكرين محاورة قصيرة:(2).
الأسقف: « يا أبا القاسم، موسى من أبوه ؟ ».
الرّسول (صلى الله عليه وآله): « عمران ».
الأسقف: فيوسف، من أبوه ؟
الرّسول (صلى الله عليه وآله): يعقوب.
الأسقف: فأنت من أبوك ؟
الرّسول (صلى الله عليه وآله): أبي عبد الله بن عبد المطلب.
الأسقف: فعيسى من أبوه ؟
ـ وحين يسأل الأسقف هذا السؤال فكأنّما أراد أن يقول للرسول (صلى الله عليه وآله): فما دام لكلّ نبي أو لكلّ رجل من الذين ذكرت أب، فلماذا تنكرون علينا قولنا ـ نحن النّصارى ـ ؟ وانطلاقا من هذه الحقيقة: أنّ لعيسى أباً هو الله تعالى ـ.
الرسول (صلى الله عليه وآله): يطرق قليلاً ليوكل الرأي إلى السماء لتعطي الرأي الحاسم في المسألة، فتعلن حقيقة خلق عيسى كخلق آدم ـ من قبل ـ وهو مّما أتفق الطرفان على شكل خلقه: « إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون »(سورة آل عمران الآية 59).
الأسقف: ـ والذهول يستولي على كلّ جانحة فيه ـ:
أتزعم أنّ الله أوحى إليك أنّ عيسى خلق من تراب لا نجد هذا فيما أُوحي إلينا ولا يجده اليهود فيما أُوحي إليهم.
الرسول (صلى الله عليه وآله) يتلقى بلاغاً جديداً من السّماء، فيتلوه عليهم:
« فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ».
الأسقف: لقد أنصفتنا ـ يا أبا القاسم ـ فمتى نباهلك؟
الرسول (صلى الله عليه وآله) بالغداة إن شاء الله.
وينصرف وفد النصارى، وهو على موعد للعودة من جديد لكي يباهل الرّسول (صلى الله عليه وآله) فيظهر الحق ويزهق الباطل.
ينصرف الوفد ولكنّ أمواجاً من الهواجس والأحاسيس تترك في نفوس أكثر أعضائه، ولعلّ بعضهم وثق من صحّة دعوى محمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوّة، ولكنّه لا يستطيع أن يعلن ذلك خشية الضغط الاجتماعي الذي يعيشه، فلا بد من الانتظار ولكن محادثة أملتها المخاوف التي تجرُّها المباهلة، ـ إن وقعت ـ جرت بين طليعة الوفد:
السيد للحارث: ما تصنعون بمباهلته ؟
الحارث: إن كان كاذباً ما تصنع مباهلته شيئاً، وإن كان صادقاً لنهلكنّ.
الأسقف: إن غدا، فجاء بولده وأهل بيته، فاحذروا مباهلته، وان غدا بأصحابه فليس بشيء.
واشرأبّت الأعناق تنتظر صباح الغد لترى الحالة التي يأتي عليها محمد (صلى الله عليه وآله) للمباهلة، فجاء ـ وهو يحتضن الحسن والحسين (عليهما السلام) وفاطمة وعلياً (عليهما السلام) يمشيان خلفه وجثا على ركبتيه جاعلاً عليّاً (عليه السلام) أمامه وفاطمة (عليها السلام) خلفه والحسن (عليه السلام) عن يمينه والحسين (عليه السلام) عن شماله وخاطبهم: إن دعوت فأمّنوا.
وحين يأتي محمد (صلى الله عليه وآله) بهذه الهيئة التي خشيها الأسقف سابقاً على أصحابه امتلأت نفوس النّصارى رعباً وهلعاً من ضراعة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى ربه، وخافوا أن تلّم بهم قارعة. أو يحلّ عليهم عذاب الله سبحانه، حيث أعلن أسقفهم: جثا والله محمد كما يجثو الأنبياء للمباهلة.
ويعقّب الأسقف مخاطباً قومه: « إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ».
ويتدارك النّصارى الأمر فقالوا: « يا أبا القاسم، أقلنا أقال الله عثرتك ».
الرسول: « قد أقلتكم ».
ولكنّ النّصارى أعلنوا لمحمد (صلى الله عليه وآله) أن يبقى كلٌّ على دينه، ولكنّه أصرّ على أن يسلموا أو الحرب.
النّصارى: « لا طاقة لنا بحربك ».
وقرروا مصالحته شريطة أن يعطوه ضريبة الجزية كاعتراف منهم بسلطان دولته السياسي على أرضهم وأبنائهم، ويحفظ الرّسول (صلى الله عليه وآله) عهدهم ما داموا عليه.
وينتهي المشهد وتنتصر قوى الإيمان، فيعلن محمد (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك بقوله: « والذي نفسي بيده إنّ العذاب تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطَّير على الشّجر، ولما حال الحول على النَّصارى كلَّهم حتّى هلكوا »(3).
وهذه الواقعة التاريخية، وهذه الآية المباركة التي نزلت لتبيان معالمها تجلّي لنا بوضوح مقام الزَّهراء (عليها السلام) عند الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) حيث وصفتها الآية بـ « نساءنا » وهي على هذا الأساس نموذج العنصر النسائي في المعسكر الإسلامي الكريم، ولا مثيل لها في النساء على الإطلاق، ولذا باهل بها رسول الله بأمر السماء، ولو وجد خيراً منها تقىً أو ورعاً أو كرامة عند الله سبحانه لقدّمها لهذا المقام الرفيع، ولكنّها ـ فاطمة الزهراء (عليها السلام) ـ التي طهّرها الله سبحانه من الرّجس فارتفعت إلى المستوى الذي جعل منها ممثلة لجماهير النّساء في معسكر الإيمان لكي يقتدين بها، سيّما بعد أن سبقتهن بهذه الدرجة الرفيعة.
وليست الزهراء ( عليها السلام ) وحدها قد ربحت قصب السبق في هذا المضمار، ولكنّ بعلها عليّاً (عليه السلام) هو الآخر قد جعله الله ومحمداً (صلى الله عليه وآله) نفساً واحدةً « وأنفسنا » دون استثناء، فالرسول (صلى الله عليه وآله) وعليٌّ (عليه السلام) الممثّلان الوحيدان لعنصر الرّجال في معسكر الوحي لكي تقتدي الأجيال بهما بعد نيلهم لهذه الدرجة العالية في مضمار التّقى والإيمان التي لم يبلغهما غيرهما من الواقفين تحت راية التّوحيد.
والحسنان (عليهما السلام) ـ هما الآخران ـ اللذان كسبا الربح فهما ـ على حدّ تعبير الآية الكريمة ـ ولدا محمد وعلي (عليهما السلام) في آن واحد « أبناءنا » وهما على هذا الأساس سادة الأبناء وقدوتهم في دنيا المسلمين، وهما ـ وحدهما ـ اللذان يملكان حقّ تمثيل شباب الأُمة في مباهلة النّصارى لأنّ استجابة الله سبحانه تكون مضمونة ومكفولة وحتميّة الوقوع.
3ـ « قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ».
عن ابن عباس وسعيد بن جبير (رض): لما نزلت هذه الآية . قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟.
قال: عليٌ وفاطمة وولداهما(4).
وعن جابر، قال: « جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد، اعرض عليّ الإسلام، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمداً عبده ورسوله.
قال: تسألني عليه أجراً ؟
قال (صلى الله عليه وآله) لا، إلاّ المودّة في القربى.
قال: قرباي أم قرباك ؟
قال (صلى الله عليه وآله): « قرباي ».
قال: هات أُبايعك .، فعلى من لا يحبُّك ولا يحبُّ قرباك لعنة الله.
قال (صلى الله عليه وآله): آمين.
وعن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وعن أبي جعفر وعن أبي عبد الله (عليه السلام) مرفوعاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنّه قال حين سئل عن مفاد هذه الآية: « أن تودوا قرابتي »(5).
وحين ترتفع هذه الآية الكريمة إلى هذا المستوى في تأكيد محبّة أهل البيت ـ فاطمة وبعلها وبنيها ـ، فإنّما توضح للأُمة الإسلامية وأجيالها المتعاقبة الدرجة العالية التي بلغها أهل البيت (عليهم السلام) في مضمار التقرُّب إلى الله ـ سبحانه ـ والسير وفقاً لمنهجه السويّ، فالرسول (صلى الله عليه وآله) حين يسأله بعض المسلمين ما الأجر قبال جهوده المفنية في بث الدعوة وتثبيت كيانها ونشر معالمها في الأرض؟.
حين يسأله هؤلاء عمّا يبتغيه من أجر إزاء متاعبه في بثّ منهج الله يرفض كلّ أجر قبال ذلك لسببين:
1ـ لعلمه أنّ الله سبحانه سيوفيه أجره كاملاً لا نقص فيه حين يفد إليه في الدّار الأخرى حيث النّعيم الدّائم.
2ـ إنّ البشر ـ مهما أُوتوا من حول وطول ـ غير قادرين على منحه من أجر غير الأجر المادي المتمثّل بالمال أو الزّوجة أو الأجر المعنوي المتمثّل بالثناء أو المنصب وما يشبههما، وكلا الأجرين مقطوعان بانقطاع المرء عن الدُنيا . وإذا كان محمد (صلى الله عليه وآله) غير محتاج إلى أجر أُمته المنقطع لذاته، فقد سألهم أجراً، ولكنّهم هم الذين يستوفونه، ذلك الأجر هو مودّة أهل بيته (عليهم السلام) والسير على هداهم لأنّهم ـ وحدهم ـ منار الشّريعة ومهبط الوحي والتنزيل.
لقد سأل أجراً لكنّهم يجنون ثماره، فبمودّتهم لأهل البيت (عليهم السلام) وسلوكهم سبيلهم يدركون العزّة وينأون عن الفرقة التي تحصل بإتّباع سواهم، فالأُمّة حين تلتزم جانب أهل البيت قربى محمد (عليهم السلام) فإنّما التزمت جانب المنهج الإلهي الكريم بأصالته وجوهره السماويين بعيداً عن كلّ تحريف وشائبة.
ومن أجل هذه الحقيقة خاطبت السماء محمداً (صلى الله عليه وآله) ليسأل أُمته أن تحدب على أهل بيته الأماجد (عليهم السلام)، لأنّ ذلك يمثّل الأجر الذي تدفعه الأُمة لرسولها (عليه السلام)، بل يمثل الضريبة الثابتة التي تدفعها الأجيال لمحمد (صلى الله عليه وآله) دون سواها، لكنّ هذه الضريبة وهذا الثمن تدفعه الأُمّة ذاتها لذاتها لأنّ كرامتها وسؤددها أُنيطت بعطفها وحنانها ورعايتها وإتباعها لأهل البيت (عليهم السلام) الذين يمثّلون الإمداد الرسالي لمحمد (صلى الله عليه وآله) وحين يسأل محمد (صلى الله عليه وآله) هذا الأجر دون سواه فإنّما أراد أن يوضح للأُمة الشوط البعيد الذي قطعه أهل بيته من الكرامة عند الله، وهذا الأجر بعد ذلك قد اقترحته السماء على محمد (صلى الله عليه وآله) ليناله من أُمته فردّدت الآفاق صدى بيان الوحي: « قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى »(سورة الشورى الآية 22)، وهكذا تبرز آية المودّة قيمة الزهراء (عليها السلام) وبيتها الطاهر، ملزمة الأُمّة بحبها واحتضان نسلها المبارك لتكون الأمّة بعد ذلك قد دفعت الأجر الذي كلفت بدفعه لقائدها المنقذ محمد (صلى الله عليه وآله).
3ـ « ... يوفون بالنّذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا * إنا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً * فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً * وجزاهم بما صبروا جنّة وحريراً * متّكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ... »(سورة الإنسان الآية 7 - 13).
يتبع تحته