إن الحمد لله ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
والبركة كثرة الخير وقد جعل الله البيت مباركاً لتضاعف الأعمال الصالحة فيه كما فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة أن النبى قال: " صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام".([14])
{فيه آيات بينات مقام إبراهيم}
والمقام فى اللغة موضع القدمين.
والقول الصحيح كما ذكرنا أنه الحجر الذى قام عليه إبراهيم لتم البناء فغاصت فيه قدماه، وهو الذى نراه اليوم مواجهاً لباب الكعبة شرفها الله، وكان المقام لصيقاً بالبيت حتى أخره إلى مكانه الذى فيه الآن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ليسهل للطائفين طوافهم.
{ومن دخله كا آمنا}
قال قتادة: وذلك أيضاً من الآيات لأن الناس كانوا يتخطفوا من حواليه وأهل الحرام آمنون بفضل الله، كما أمتن الله عليهم بذلك فى قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ }([15]) وفى قوله تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ([16]) ، وقال بعض أهل اللغة فى قوله تعالى: ٍ{ومن دخله كان آمنا} صورة الآية خبر
ومعناها أمر فتقديرها ومن دخله فأمنوا كقوله تعالى: فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ([17]) أى لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا فى الحج.
وقال الإمام القرطبى فى الجامع لأحكام القرآن الكريم:
وإنما يكون آمنا من النار من دخله لقضاء النسك معظماً له عارفاً بحقه متقرباً بذلك إلى الله عز وجل وقال أحدهم: من دخله على الصفاء كما دخله الأنبياء والأولياء كان آمناً من عذاب الله وهذا معنى قوله : كما فى الحديث الصحيح:
"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"([18])
وفى رواية صحيحة أخرى: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"([19])
وهذه الآية الكريمة من أبلغ الآيات فى فرضية الحج فاللام فى قوله تعالى: {ولله} هى لام الإيجاب، والإلزام، ثم أكد الله الأمر بقوله {على الناس} ولا خلاف فى فرضيته، فهذا أحد أركان الدين وقواعد الإسلام.
ومن رحمة الله بهذه الأمة أن الحج لا يجب فى العمر إلا مرة واحدة لمن استطاع.
كما فى الحديث الذى رواه مسلم وأحمد وغيرهما عن ابى هريرة قال: خطبنا رسول الله فقال:
" يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا " فقال رجل: أفى كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال النبى:" لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال: ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه"([21])
( وهذا لفظ مسلم).
{لمن استطاع إليه سبيلا}
فمن يسر الله له الاستطاعة وجب عليه أن يعجل، وأن يبادر بحج بيت الله عز وجل، كما فى الحديث الذى رواه أحمد وأبن ماجه من حديث ابن عباس أن النبى قال:
"من أراد الحج فيتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض" ([22])
وفى رواية لأحمد قا رسول الله :
"تعجلوا إلى الحج (يعنى الفريضة) فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له"([23])
ومن حدود الاستطاعة للمرأة المسلمة أن يوجد المحرم حتى ولو كانت تحج حجة الفريضة.
فلقد نهى النبى نهياً صريحاً شديداً أن تسافر المرأة المسلمة إلا مع ذى محرم. ومن عظيم اهتمام النبى بهذا الأمر أن رجلاً خرج مجاهداً فى سبيل الله وخرجت امرأته حاجه وحدها بغير محرم وجاء يسأل النبى فأمره النبى أن يرجع عن الجهاد وأن يخرج ليحج مع امرأته حتى لا تذهب بغير محرم ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه سمع النبى يخطب، يقول:
"لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم" فقال رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتى خرجت حاجة، وإنى اكتتبت فى غزوة كذا وكذا، قال:" انطلق فحج مع امرأتك"([24])
وفى البخارى ومسلم عن أبى هريرة عن النبى .
" لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تسافر مسيرة يوم وليلة وليس معها ذو حرمة منها".([25])
وقد ضيع المسلمون والمسلمات إلا من رحم الله هذا الأمر النبوى الكريم ..!! ومنهم والعياذ بالله من جادلك فى هذا الأمر فى عصر الحضارة والمدنية الزائفة الذى تسمح فيه للمرأة أن تخرج للعمل أو للسفر بدون محرم ..!! وإنا لله وإليه راجعون.
ويختم الله الآيات بقوله:
وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ قال ابن عباس ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجباً فإن الله غنى عن العالمين لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية. * * *
الحاجه نائب المدير
عدد الرسائل : 916 العمر : 58 الاوسمة : تاريخ التسجيل : 11/08/2008