في الوقت الذي تشتد فيه أزماتنا ومشكلاتنا على كافة الأصعدة الداخلي منها والخارجي , ينخر في أسرنا المسلمة سوس خطير يدخل إلينا عبر تلك الفضائيات التي تطالعنا بخليط محكم التوجيه نحو التخلي عن القيم والمبادىء الإسلامية الكريمة وتجرنا جرا نحو قيم أخرى غريبة عنا ومبادىء مغايرة عما علمنا ديننا ..
وهانحن تطالعنا وتحاصرنا أخبار مسلسل تليفزيوني تركي نسج فيه العاملون نسجا يمعن في سلب البقية الباقية من الاستقرار والمودة بين الأزواج في أسرنا العربية , خاصة عندما فتحت بيوتنا أبوابها للفضائيات المختلفة تنقل منها الغث والرخيص والبائس والخبيث , فما بين زوج يطلق زوجته وبين زوجة تهجر زوجها إلى إضراب عاملات عن أداء أعمالهن في وقت إذاعة المسلسل , حتى جزم بعض الباحثين أن نسبة كبيرة من حالات الطلاق في مجتمعه تعود إلى تأثير الفضائيات وإعجاب كل من الزوجين بأبطال المسلسلات فيزهد كل في زوجه , ويبدأ الخلاف من نقطة مثل المهند ( بطل المسلسل ) ولا ينتهي إلا بالطلاق .
لقد كشف المهند تصدع كثير من البيوت العربية وأظهر عيوبا ومشاكل فيها حاول الأزواج إنكارها وإخفاءها كثيرا وألقى الحجر في الماء الراكد فطفح بكل ما فيه وبرزت المشكلات إلى السطح وباتت الكثير من البيوت الجديدة على شفا الانهيار
والحقيقة أن المهند وغيره من الأمثلة الفارغة والقصص الفنية التي تسلب أذهان الفارغين , ليست هي السبب الأول ولا الأوحد بالطبع , فهو وحده لم يُوجد هذا الصراع ولا التصدع , فالتصدع قائم بالفعل , ولن يجدي وضع رؤوسنا في الرمال نفعا , فكفانا ما ضاع وما سيضيع لو لم نتحرك , وما يتبع ذلك التصدع من آثار لو لم ينتبه كل مسئول لواجبه كل حسب اختصاصه
وبالقطع لا أحتاج لتعريف ذلك المهند , ولكن أدرك أنه كشف حقيقة مستترة في بيوت كثيرة ,فما الذي كشفه هذا المسلسل وغيره في بعض تلك البيوت؟
1- عرض المسلسل صورةتتمناها كل فتاة في زوج المستقبل عن طريق تمثيل بطل المسلسل ذاك , فهو يهتم بها , ويسمع لشكواها , ويتعامل معها برفق لا تراه في المحيطين بها , وقارنت الزوجات بين تعامله مع زوجته وتعامل زوجها معها وكانت النتيجة محسومة بأن زهدت زوجها ورغبت في عدم العيش معه وطلب بعضهن الطلاق !!
2- أظهر أن بعض البيوت العربية الآن تقوم وتبنى على قاعدة أخف الضررين وهو عدم الطلاق لمصلحة الأولاد ولولاهم ما استمرت الحياة بين زوجين كلاهما لا يعرف الآخر ولا يهتم به ولا يستمع لشكواه
3- أظهر مدى غياب الأب عن العملية التربوية وعدم كونه قدوة صالحة أو مثلا أعلى لأبنائه , فما قيل قديما أن الولد سر أبيه وأن كل فتاة ترى اباها أفضل قدوة أصبح أثرا بعد عين بعدما أصبح الأب مهتما بنفسه ولا يعطي أسرته من وقته وجهده
4- أظهر عدم التفاهم الزوجي لغياب الحنان والرفق عن الرجل في معاملته لامرأته فالمرأة لا يأسرها إلا الحنان من زوجها وتقديره لها وجاء المهند فاتحا ذراعيه لكل امرأة ترى فيه ما تمنت يوما أن تراه في زوجها
5- أظهر مدى تأثير الإعلام في الأسرة العربية ومدى خطورته على العملية التربوية بأسرها وأظهر الحاجة إلى التدخل الفوري من الجميع والتكاتف من أجل عدم ذوبان الهوية للإنسان العربي الذي لا هوية له ويتبع كل ناعق وأصبح المهند ناقوس خطر جديد للمربين والعلماء والفقهاء والمخلصين من أبناء هذه الأمة للتدخل لإنقاذها وأرجو أن لا يكون قد فات الأوان
6- أظهر غياب الحوار في الأسرة التي لا تجتمع إلا نادرا وإن اجتمعوا يجلسون أمام شاشة تعرض عليهم موادها المسمومة دون حوار حقيقي لتنقية الغث من السمين ودون إصلاح لما أفسده هذا الجهاز المدمر للأخلاق
7- أظهر أن هناك فئة ما تقف وراء ما نراه ونشكو منه الآن فمن المسلسلات المكسيكية التي فتنت الكبير والصغير إلى المسلسلات العربية ثم المسلسلات التركية مرورا بتليفزيون الواقع والقنوات العارية من كل خلق ودين في موجات لا تنتهي بهدف معلوم هو إلهاء الأمة عن قضاياها الحقيقة وبهدف تغيير للأفكار والقيم في غزو ثقافي يتسلل رويدا بكل وسيلة كي يتقبل الناس كل الأفكار بلا تفكير فنجد في المسلسل مثلا من تحمل من الزنا ولا يلتفت المراهقون إلى تجريم ذلك الفعل ويمر كأنه أمر عادي لا تعتد به , وترى الخيانة الزوجية وممارسة الفاحشة خارج إطار الزواج دون تجريم وكأنها أمر طبيعي جائز
8- أظهر أن الأمر يسير وفق خطة متتابعة فما يقدم للأطفال في قنوات الكارتون لتسطيح أفكارهم وإغراقهم في عالم من الخيال البعيد عن الواقع , يُقدم للمراهقين بصورة مسلسلات خيالية ترسم لهم أبطالا غير حقيقين يتمردون بهم على واقعهم
9- أظهر مدى الأنانية التي تتعامل بها بعض الزوجات التي تسبح في خيالاتها مع المهند ولا تهتم إلا بنفسها وبمشكلتها وافتقادها لمهندها فقط ولا تتحرك لنجدة ابنتها من براثن هذا الغزو الخبيث
10- أظهر تهاونا واضحا مع أحكام الشريعة التي أمرت النساء كما أمرت الرجال بغض البصر في آيتين متتاليتين من سورة النور ..
11- أظهر مدى الهوة السحيقة عند القائمين على هذه القنوات بين ما يحقق أهداف الأمة وبين ما يأتون به إلينا وجعلوا الربح المادي هو أول أهدافهم بصرف النظر عن سوء عواقب ذلك
12- أظهر مدى افتقاد الأمة للقدوات الحقيقة وعطشها لوجود قيادة حقيقة تؤمن بالحق وتدافع عنه وتتبنى قضايا الأمة فيلتف حولها الناس وتكون مصدر إلهام لهم واضطر الناس للبحث عن الأمل حتى لو كان وهما أو بطلا من زيف أو زور أو بهتان
13- أظهر مدى تركنا كمربين للمراهقين كالأيتام على موائد اللئام وعدم تكريس وقت وجهد طويل لهم وإعداد برامج لتنميتهم حتى غدا هذا المهند مثلهم الأعلى وانتشرت صوره وملابسه في كل مكان وتقتنيها المراهقات قبل المراهقين وانتقل بعض الشباب العربي واستعد لتعلم اللغة التركية لا لشيء إلا ليتابع تلك المسلسلات بأصوات الممثلين أنفسهم
14- أظهر فراغا قاتلا في حياة الأسرة العربية , فراغ ثقافي وفكري وفراغ مادي وفراغ عاطفي ولولا هذا الفراغ ما تمكن من التسلل إلى عقول وقلوب هؤلاء
15- أظهر أن بعض الآباء والأمهات مازالوا يعانون من مراهقة متأخرة وهذه مشكلة يجب الاهتمام بها من المربين فآباء اليوم يختلفون جدا عن آباء الأمس في نفس المستوى العمري فتجد الأب وابنه يشتركان في نفس الاهتمامات المراهقة كأن الأب لم ينضج بعد وكذلك الأمهات ولهذا فلا يمكن توجيه اللوم للأبناء أولا بل يجب أن نبدأ بمن رباهم
16- أظهر تقصير المؤسسات التربوية كالمدرسة ودور العبادة عن أداء دورها التربوي فامتنع ظهور قدوات بها تلفت نظر الشباب وتنمي قدراتهم ومواهبهم وأصبح التعليم تلقينا فقط يغلفه الكثير من النفعية واللامبالاة وأصبحت دور العبادة بعيدة كل البعد عن أداء دورها الحقيقي
هذا قليل من كثير لفت هذا المسلسل الأنظار إليه , وهو نذير بما هو أشد منه , فما يعانيه شباب اليوم لابد له من تدخل فوري وحاسم يستهدف مصلحة الأمة ويستعلي عن غرائزها ورغباتها , ويُلزم كل مارق أن يلتزم بثوابتنا وقيمنا ويساهم في بناء أمتنا وفق مناهجنا بكل ما أوتي من إمكانات وإلا فليحمل أدواته وقنواته وليرحل بعيدا عنا.
ولا أتعجب أن يسمى أحد المسلسلات التركية باسم سنوات الضياع , ولكن أتعجب أن المهند الذي فُتنت به مراهقات العرب قد اتهمته جهات إعلامية بالانحراف والشذوذ وذكرت في حقه مجلة جزائرية أنه كان أحدنجوم مجلة إباحية فرنسية تدعو للمثلية الجنسية !!
فهل هذا أمل فتياتنا وبناتنا ؟ وهل هذا ما يتمنوه زوجا لهم ؟
لقد قال أحد قادة العدو الصهيوني يوما " لن نغير العرب ولكن ستغيرهم تلك الأطباق التي وضعوها فوق أسطح منازلهم "
وهاهي سائرة في طريق تغيير قيمنا ومبادئنا وأهدافنا واستبدالها بالذي هو أدني فهل نفيق ؟ إني أتوجه بالنداء إلى كل المخلصين من أبناء الأمة بالتكاتف للخروج من هذا المأزق وكفانا ما نعانيه في سنوات الضياع .