كيف تكون المحنه منحه
كانزميلاً لي في الكلية العسكرية … كان الأول على زملائه في صاحب قيام ليل ومحافظة على صلاة الفجر وغيرها … وبعد أن تخّرج وفرح كما يفرح الطلبة بالتخرج وإذا به يُصاب بما نسميه ( الأنفلونزا) وتطور معه المرض حتى أصاب العمود الفقري فأصيب بشلل تام ولم يعد يستطيعالحركة… حتى أن طبيبه المعالج قال لي أنه حسب مرئياته فلا أمل له في الشفاء… وإن احتمال رجوعه لما كان عليه ونجاح العلاج معه لا تتجاوز العشرة في المائة …
ثم زرته في المستشفى وهو مقعد يرقد على السرير الأبيض لمواساته وتذكيره باللهوالدعاء له فإذا به هو الذي يذكّرني بالله !! وهو الذي يواسيني… وجدته قد امتلأ وجهه نوراً… واشرق بالإيمان نحسبه والله حسيبه…
فأجابنيبالشكر والدعاء ثم قال كلمته العجيبة في حالته المأساوية نعم إنها كلمة عجيبة!! لميشتكي ! ولم يتبرم !! ولم يقل أرايت ماذا حل بي يا أخ خالد !!
إنماقال تلك الكلمة التي دوّت في أذني وأثرّت في قلبي وما زلت احفظها حتى الآن … قالها وهو يبتسم …
قالحفظه الله : يا أخي لعل الله علم منى تقصيري في حفظ القـرآن فلهذا أقعدني لإتفرغلحفظه … وهذه نعمة من نعم الله !! سبحـان الله … مـا هذا الكلام؟! من أين هذه العبارات ؟! كيف تتحول النقمة إلى نعمة؟ !
وصدقالله في جزاء من صبر واسترجع عند المصيبة وقال إنا لله وإنا إليه راجعون إن له ثلاث جوائز …
قال تعالى)أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( البقرة 157 .
نعم والثبات على شرعه القويموفي صحيح مسلم من حديث صهيب مرفوعاً… ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذاك لأحد إلا لمؤمن إن أصابته سراءشكر وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) مختصر مسلم 2092 .
ماأجمل تلك العبارات التي قالها … إنها والله تعدل عشرات الكلمات النظرية … لأن المواقف الإيمانية تربي وتعلّم الشيء الكثير … وفي كل خير…
نعملقد تعجبت ودهشت من موقفه وإيمانه وصبره وثباته رغم ما هو فيه من مرض خطير … وشلل تام … ورغم أنه لم يمض على تخرجه ستة أشهر ولم يفرح بالرتبة والراتب والعمل الجديد أ… .
ثمزرته بعد فترة وعنده بعض أقاربه … فسلمت عليه ودعوت له … ثم رأيت أمرً عجيباً … وسمعت منه ما أدهشني مرة أخرى … وفي كل زيارة له يزداد الإيمان من مواقفه العجيبة الإيمانية.
قالله ابن عمه : حاول تحريك رجلك … ارفعها للأعلى … فقال له : إني لاستحي من الله أن استعجل الشفاء فإن قدّر الله لي وكتب الشفاءفالحمد لله … وإن لم يكن مقدوراً لي فالحمد لله … فالله أعلم بما هو خير لي … فقد يكون في الشفاء ما لا تحمد عقباه … وقد أمشي بقدميّ هاتين إلى الحرام … ولكني أسأل الله إن يكتب لي الخير فهو العليم الحكيم … ولا تعليق على كلامه) وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( البقرة آية 216.
سافرتثم عدت بعد ثلاثة أشهر وكنت متوقعاً إنه في منزله حيث لاأمل في علاجه وسيبقى في منزله على فراشه يحمل من مكان إلى آخر…
سألتعنه الزملاء في المستشفى هل خرج ؟! وكيف حالته ؟! فقالوا : هذا الرجل عجي بجداً…
لقد كان عنده قوة في العزيمة وهمة عالية وابتسامة دائمة ورضىً بما كُتبله…
ولقدتحسنت حالته شيئاً ما … فنُقل إلى التأهيل للعلاج الطبيعي…
ذهبتإلى مركز التأهيل فإذا به على كرسي المعاقين ففرحت به وقلت له : الحمد لله علىالسلامة… الحمد لله أصبحت الآن تتحرك أحسن مما مضى…
[size=18]فقاطعنيقائلاً : الحمد لله … أبشرك إنني قد أتممت حفظ القرآن [/size]!!
فقلت : سبحان الله !! ما أعجب هذا الرجل … لا يمكن أن أزوره إلا وأجدُ فائدة إيمانية … فدعوت له … وسألت الله من فضله.
أتدرونماذا حصل ؟!
لقدكنت أصلي في مسجد المستشفى… فإذا برجل يناديني يا أبا محمد أتدرون من المنادي؟! إنه صاحبنا… نعم والله إنه الزميل الحبيب الذي كان مشلولاً معاقاً تماماً يناديني وهو يمشيوبصحة جيدة وعافية … نعم إنها قدرة الله … ثم إنه الإيمان يصنع المعجزات قال تعالى) الله ولي الذين آمنوا ( إنه التقوى قال تعالى ) ومن يتق الله يجعل له مخرجاً(
إنهاالنجاة والعافية من الله للمؤمنين قال تعالى ) وكذلك ننجي المؤمنين( .
وأما الثانية فعلى نفسي المسكينة المقصرة …
فكم نحن فيه من نعم وخيرات ولم نقم بشكر الله عليها ولم نجتهد في حفظ القرآن وعملالصالحات … وكلنا تقصير وتسويف … نسأل الله العفو والغفران . ليس هذا فحسب بل منّ الله عليه بأمور كثيرة … فمنها موافقة المسئولين لبعثته بعثة داخلية لجامعة الملك سعود بالرياض لإكمالدراسته العليا…
ولهذاالبعثة قصة أخرى… فقد طلب ذلك منذ تخرجه من الكلية ولم يأته الرد … وقبل أيام … وبعد شفائه ولله الحمد جاءت الموافقة عليها بعد أن نسيها فالحمد لله الذي بنعمتهتتم الصالحات.
ثمقال لي بعدها : يا دكتور خالد إن ما حصل لي حجة علي إن لم أقم بشكر النعمة…
قلت: بل هي حجة علينا جميعاً…
القصةلم تنته بعد … فلقد زارني بعد سبع سنوات في مراجعة لجدة المريض بالقلب…
فماذارأيت ؟! رأيت شاباً وضيئاً … وقد رزقه الله الترقيات حتى وصل إلى رتبة رائد…
فأسأل الله أن يجعله رائداً في الخير والنفع والصلاح وأن يصلح أحوالنا جميعاً أنه سميع [/center]