نعيش مع حقائق جديدة تؤكد أن الأهرامات وغيرها من التماثيل قبل آلاف السنين قد بنيت من الطين، وهذا ما أشار إليه القرآن، لنقرأ هذا البحث العلمي...
بعد نشر الجزء الاول عن بناء الأهرامات وأن العلماء يكشفون شيئاً فشيئاً أن مادة بناء الأهرامات هي الطين، جاءتني بعض الآراء المخالفة من بعض إخوتي الأفاضل. وبما أنني مؤمن بالحوار وأشجع على الانتقاد فلابد من توضيح بعض الحقائق التي تخفى على كثيرين، كذلك تصحيح بعض الأفكار.
وأود أن أذكر إخوتي في الله أن هذا البحث هو من ضمن تخصصي الهندسي الذي أتقنه جيداً وهو هندسة المواد، وهذا العلم يدرس البنية الدقيقة للمعادن والصخور والأحجار وغيرها من المواد، والجهاز المستخدم أساساً هو المجهر الإلكتروني، هذا المجهر يكشف لنا بما لا يقبل الشك بنية الحجر والتركيب الذري والجزيئي له، وبالتالي يمكن اعتبار النتائج بمثابة حقائق علمية لأننا نراها رؤية يقينية.
وإذا أراد أحد أن يشكك في هذه النتائج فينبغي عليه أن يثبت أنها نتائج مزيفة، وهذا ما أستبعده لأن الجامعات التي أجريت فيها هذه الأبحاث موثوقة والذين قاموا بهذه الأبحاث هم أناس متخصصون بعلم هندسة المواد، وقد استغرق بحثهم أكثر من عشر سنوات، ونُشر على مجلات علمية عالمية لا تتبنى أفكاراً كاذبة أو خرافية.
فعندما قرر العلماء أن حجارة الأهرامات قد نقلت من مناطق بعيدة ونحتت وبنيت منها الأهرامات، اعتمدوا على المشاهدة بالعين المجردة وبعض الاختبارات البسيطة والنصوص الموجودة في التوراة المحرفة، وبعض الآراء لباحثين ومهتمين.
ولكن الذي حدث أن العلم يتطور، والصور التي يظهرها المجهر الإلكتروني لا تكذب! ويمكن اليوم رؤية أي حجر مكبر مئات الآلاف من المرات، أي نستطيع رؤية الجزيئات التي تشكل منها هذا الحجر تحت المجهر الإلكتروني بكل سهولة ووضوح، ولذلك عندما أخضع العلماء هذه الحجارة للتحليل المخبري كانت النتائج بعكس ما هو سائد وعكس ما هو متوقع.
فصورة المجهر الإلكتروني لا تكذب، ولو أردنا أن نكذبها إذاً سوف نشكك في كل علوم الأرض التي وصلنا إليها حتى اليوم، وسوف نشكك بعلم الطب وعلم الهندسة الوراثية ومئات العلوم التي تأتينا نتائجها من خلال المجهر الإلكتروني! لذلك إذا أردنا أن ندحض هذه الصور فينبغي أن نأتي بصور معاكسة، ولا يكفي أن نقول إن فلاناً قال كذا أو صرح بكذا ...
لقد رأينا الحجارة بأعيننا وتأكدنا أنها حجارة طبيعية بالمشاهدة واللمس والتفكير، ولكن هل عيوننا دقيقة وترى كل شيء؟ لنطرح السؤال الآن: ماذا رأى المجهر الإلكتروني في هذه الحجارة؟
1- الفقاعات الهوائية: من أين جاءت؟
2- نسبة الماء العالية في هذه الحجارة من أين جاءت؟
3- أين ملايين الأزاميل النحاسية التي استعملت في نحت مئات الملايين من الأحجار؟
4- السؤال الأهم: كم هو الزمن اللازم لنحت الحجارة بحيث تتمتع بسطوح دقيقة ومستوية وناعمة وتنطبق على الحجر الآخر دون ترك أي فراغات؟ بلا شك إن نحت كل حجر يتطلب زمناً ليس بالقليل.
صورة بالمجهر الإلكتروني لعينة من حجارة الهرم الأكبر، وتظهر عليها الأجزاء المتبلورة بشكل غير طبيعي (اللون الأحمر) والتي تربط كتل الكلس معاً (اللون الأسود). المرجع Michel Barsoum, Drexel University
إن البحث الذي جاء به بعض الباحثين حديثاً قد نشر على مواقع علمية ومجلات عالمية موثوقة، وقد حققت هذه الكتب نسبة كبيرة من المبيعات، وهذا طبعاً لا نعتمد عليه كدليل، ولكن نود أن نقول إن العلماء اليوم بدأوا يعترفون بهذه الحقيقة، ليس كلهم ولكن بدأوا تدريجياً.
وفي دراسة حديثة قام بها علماء مختصون بهندسة المواد (Journal of the American Ceramic Society, vol 89, p 3788) يؤكدون أن الأدلة تزداد شيئاً فشيئاً إلا أن بعض العلماء لم يعترفوا بهذا البحث.
ويؤكد هذا البحث أنه حتى فترة قريبة كان من الصعب على الجيولوجيين التمييز بين الحجارة الطبيعية والحجارة الاصطناعية التي صبت قبل خمسة آلاف عام. ولكن طبقاً لبروفسور Gilles Hug من وكالة أبحاث الفضاء الفرنسية Onera والبروفسور Michel Barsoum من جامعة دركسل في فيلاديلفيا حيث وجدا أن غطاء الأهرامات يتكون من نوعين من الحجارة الأول طبيعي منقول من المقالع والثاني صناعي. ويعتقد أن نسبة مهمة من الأبنية العالية أو ما سماها الصروح edifices بنيت من الطين!!! [1].
وهنا نجد الإشارة القرآنية تتجلى عندما أخبر القرآن على لسان فرعون أن يبني له صرحاً أي بناء عالياً، والأجزاء العالية من البناء لا يمكن بناؤها من الحجارة وفرعون يعلم هذا لأنه لا يمكن رفع الحجارة إلى ارتفاعات عالية، وكانت التقنية السائدة عند الفراعنة أن يستخدموا الطين من أجل ذلك، تماماً كما نصب الأسقف والأبنية العالية اليوم، وهذا ما جعله يقول:
(أوقد لي على الطين فاجعل لي صرحاً)، للدلالة على أنه يريد بناء مرتفعاً جداً.
لقد أخذ الباحثان ثلاث عينات من هرم خوفو وهو أكبر الأهرامات، وقاما بتحليلها بالأشعة السينية والمجهر الإلكتروني فوجدا آثاراً لتفاعل كيميائي سريع والذي لم يسمح بتشكل البلورات الطبيعية داخل الحجر، ومثل هذه البلورات التي تكونت بطريقة غير طبيعية لا يمكن تفسيرها إلا إذا اعتقدنا أن هذه الأحجار قد صُبَّت مثلما نصب الاسمنت في أبنيتنا اليوم. ولكن مع مهارة عالية وبطريقة حرارية لم نكتشف أسرارها بعد.
يعتقد الباحثان أن الحجارة الطينية استخدمت من أجل الأجزاء المرتفعة في البناء حيث تطلب الأهرام بحدود 2.5 مليون حجر، أما الأجزاء المنخفضة فاستعملت فيها الحجارة الطبيعية. ويؤكد هذان الباحثان أن الحجارة الكلسية الناعمة اقتلعت من جنوب الجيزة ثم وُضعت في برك مائية تتغذى من نهر النيل لتنحل وتشكل الطين الكلسي watery slurry. ثم قام الفراعنة بإيقاد النار على هذا الطين وأخذوا الكلس الناتج ثم خلطوه مع الملح ثم تبخر الماء وبقي المزيج الرطب على شكل طين clay-like. وهذا الطين سوف يُحمل إلى قوالب خشبية ويبقى عدة أيام ليتصلب ويشكل حجارة أشبه بالحجارة الطبيعية. وقد قام البروفسور Davidovits من معهد Geopolymer بصناعة حجر كبير بنفس الطريقة خلال عشرة أيام.
هناك إثبات جديد جاء من عالم المواد Guy Demortier من جامعة Namur في بلجيكا، والذي كان يشك بهذه النظرية ولكن دراسة عشر سنوات جعلته يقتنع تماماً أن الأهرامات الثلاثة بنيت من الحجارة الاصطناعية من الطين.
يقول البروفسور Linn Hobbs أستاذ علم المواد والهندسة النووية: لقد صنع المصريون القدماء حجارة الأهرامات من الطين الكلسي، وهي نفس المادة التي استخدموها لصناعة الأواني الخزفية الرائعة بعد تسخينها لدرجة حرارة عالية، مما يكسبها صلابة كبيرة